تفسير الآية (159) من سورة آل عمران " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ " ( من عمدة التفسير لأحمد شاكر)

من كتاب عمدة التفسير تحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله


فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) سورة آل عمران

يقول تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ممتنا عليه

وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته المتبعين لأمره

التاركين لما نهى عنه واختار لهم لفظ طيب :

" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ"

أي لولا رحمة الله بك وبهم فجعلك لهم لينا وقال قتادة:

يقول : فبرحمة من الله لنت لهم و"ما"

صلة أي برحمة من الله

وقال الحسن البصري : هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم

بعثه الله به وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى :
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم التوبة 128

وقوله تعالى :" وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" الفظ : الغليظ والمراد هنا : غليظ الكلام لقوله بعد ذلك :
}غليظ القلب { أي : لو كنت سيء الكلام قاسي القلب
عليهم لانفضوا عنك وتركوك .
ولكن الله جمعهم عليك وألان جانبك لهم تاليفا لقلوبهم ,
كما قال عبد الله بن عمرو :
إنه رأى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة :
"إنه ليس بفظ ولا غليظ ,ولا سخاب في

 الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ,ولكن يعفو ويصفح "

رواه البخاري تحقيق أحمد شاكر

والحديث كما جاء عند الامام البخاري رحمه الله:

عن عطاء بن يسار قال : لقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَمْرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللَّهُ


عنْهما، قُلتُ: أخْبِرْنِي عن صِفَةِ رَسولِ اللَّهِ ﷺ في التَّوْراةِ، قالَ: أجَلْ؛


واللَّهِ إنَّه لَمَوْصُوفٌ في التَّوْراةِ ببَعْضِ صِفَتِهِ في القُرْآنِ: ﴿يا أَيُّها النَّبِيُّ


إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥]، وحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أنْتَ عَبْدِي ورَسولِي، سَمَّيْتُكَ


المتَوَكِّلَ، ليسَ بفَظٍّ ولا غَلِيظٍ، 

ولا سَخّابٍ في الأسْواقِ، ولا يَدْفَعُ


بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، ولَكِنْ يَعْفُو ويَغْفِرُ، ولَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حتّى يُقِيمَ به المِلَّةَ


العَوْجاءَ، بأَنْ يَقولوا: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، ويَفْتَحُ بها أعْيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا،


وقُلُوبًا غُلْفًا.


 

أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (٢١٢٥) 

 



ولهذا قال تعالى :
{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }

ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور
أصحابه في الأمر إذا حدث , تطييبا لقلوبهم ليكونوا
أنشط فيما يفعلونه ,
شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير. 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ لما سارَ إلى بدرٍ استَشارَ المسلِمينَ، فأشارَ علَيهِ عمرُ، ثمَّ استشارَهُم فقالَتِ الأنصارُ: يا مَعشرَ الأنصارِ إيّاكُم يريدُ رَسولُ اللَّهِ ﷺ. قالوا: إذًا لا نَقولُ لَهُ كما قالَت بَنو إسرائيلَ لِموسى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ والَّذي بَعثَكَ بالحقِّ لو ضَرَبتَ
 أَكْبادَها إلى بِرَكِ الغِمادِ لاتَّبعناكَ "
 أخرجه أحمد (٣/١٠٥)، والنسائي في ((الكبرى)) (٥/٩٢)، والبزار (٦٥٦١) باختلاف يسير.
أشار الإمام أحمد شاكر إلى صحته في عمدة التفسير - 
(1/660) وكذلك ابن كثير في البداية والنهاية (٣/٢٦٢والإمام الذهبي 
في المهذب في اختصار السنن (٨/٤٠٩٨) 


وشاورهم أيضا أين يكون المنزل ؟
حتى أشار المنذر بن عمرو ( المُعنق ليموت َ) بالتقدم أمام القوم ,
وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج
إلى العدو فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج ,
وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار
المدينة ذلك العام فأبى عليه السّعدان : سعد بن معاذ وسعد بن عُبادة , فترك ذلك .وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على دراري
المشركين فقال له الصديق :
إنا لم نجيء لقتال أحد وإنما جئنا معتمرين فأجابه إلى ما قال ,

وقال عليه السلام في حادثة الإفك :
" أشيروا علي معشر المسلمين في قوم أبَنوا أهلي ورموهم وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء , وأبَنوهم بِمن _ والله _
ما علمت عليه إلا خيرا "

وهو جزء من حديث طويل رواه البخاري 4750 ومسلم 3180

واستشار عليا وأسامة في فراق عائشة .
فكان يشاورهم في الحروب ونحوها . وقد اختلف الفقهاء :
هل كان ذلك واجبا عليه أو من باب الندب تطييبا لقلوبهم ؟
على قولين .
وقد روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غنم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر :
" لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما 
"
إسناده صحيح _ أحمد شاكر

"المستشار مؤتمن"
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3035
خلاصة حكم المحدث: صحيح


وقوله : " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ"

أي إذا شاورتهم في الأمر وعزمت عليه فتوكل على الله فيه

" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ"


تعليق الشيخ أحمد شاكر في الحاشية
وهذه الآية : ( وشاورهم في الأمر ) والآية الأخرى :
( وأمرهم شورى بينهم )الشورى 38,
اتخذهما اللاعبون بالدين في هذا العصر _ من العلماء وغيرهم _
عدتهم في التضليل بالتأويل ,
ليواطئوا الغرب في منهج النظام الدستوري الذي يزعمونه
والذين يخدعون الناس بتسميته
" النظام اليموقراطي " !
فاصطنع هؤلاء شعارا من هاتين الآيتين يخدعون به
الشعوب الإسلامية أو المنتسبة للإسلام . يقولون كلمة حق يراد بها باطل : يقولون :
( الإسلام يأمر بالشورى ) ونحو ذلك .
حقا إن الإسلام يأمر بالشورى ولكن أيّ شورى ؟
إن الله سبحانه يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم
"وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله "
والمعنى واضح وصريح لا يحتمل التأويل ,
فهو أمر لرسول الله ثم لمن يكون ولي الأمر من بعده:
أن يستعرض آراء أصحابه الذين يراهم موضع الرأي
الذين هم أولوا الأحلام والنهى , في المسائل التي تكون موضع تبادل لآراء وموضع الإجتهاد في التطبيق ثم يختار
من بينها ما يراه حقا أو صوابا أو مصلحة فيعزم
على تنفيذه غير متقيد برأي فريق معين ولا برأي عدد محدود ,
لا برأي أكثرية ولا برأي أقلية فإذا
عزم توكل على الله وانفذ ما ارتآه .

ومن المفهوم البديهي الذي لا يحتاج إلى دليل :
أن الذين أمر الرسول بمشاورتهم _
ويأتسى به فيه من يلي الأمر من بعده _
هم الرجال الصالحون القائمون على حدود الله .
المتقون لله , المقيمو الصلاة , المؤدو الزكاة .
المجاهدون في سبيل الله , الذين قال فيهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ليلني أولي الأحلام والنهى " ليسوا هم الملحدين ,
ولا المحاربين لدين الله ,
ولا الفجار الذين لا يتورعون عن منكر ,
ولا الذين يزعمون أن لهم أن يضعوا شرائع
وقوانين تخالف دين الله ,
وتهدم شريعة الاسلام هؤلاء وأولئك_من بين
كافر وفاسق موضعهم الصحيح تحت السيف أو السوط ,
لا موضع الاستشارة وتبادل الآراء .
والآية الأخرى ,
آية سورة الشورى _
كمثل هذه الآية وضوحا وبيانا صراحة :

" والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم
ومما رزقناهم ينفقون "  الشورى 38
ثم هي ما كانت خاصة بطرق لحكم وأنظمة الدولة .
إنما هي في خلق المؤمنين الطائعين
المتبعين أمر ربهم أن من خلقهم أن يتشاوروا
في شؤونهم الخاصة والعامة ,
ليكون ديدنهم التعاون والتساند في شأنهم كله .
ومجال القول ذو سعة وفيما قلنا
عبرة وعظة وكفاية , إن شاء الله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قطعة فهم مقروء _ صف ثاني

امتحان فهم مقروء ----- للصف الثالث

أسئلة في سورة الغاشية