رسالة لكل مبتلى ومصاب......

     بسم الله الرحمن الرحيم 



 رسالة لكل مبتلى ومصاب 


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

إذا أصاب المؤمن البلاء تذكر قول الله تعالى :

"وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) " سورة البقرة


وقوله تعالى  :  " إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا " (3)  الإنسان

فيعلم المؤمن أن ما أصابه من بلاء ,  بقدر من الله  , ما كان ليخطئه
فقد كتب عليه وهو في بطن أمه ,  بل قبل أن يُخلَق , في اللوح المحفوظ
حسّنه الألباني (١٤٢٠ هـ)، صحيح الترمذي ٢٣٩٦


فإذا أصيب المؤمن فماذا عليه أن يفعل ؟
 لا يمكنه رد قضاء الله تعالى عنه
فهو لا يملك من أمره شيئا , إلا أن يدعو لعل الله تعالى يرفع ما به من بلاء
والمؤمن الذي يؤمن بحكمة ربه ورحمته يعلم أن ما أصابه من بلاء هو رحمة من الله تعالى له :
فإن قيل وأين الرحمة في المرض والالم والمعاناة ؟
وأين الرحمة بتقتيل الاطفال والنساء ؟
وأين الرحمة بالطرد من الأوطان؟
وأين الرحمة في ضيق العيش والذل والهوان؟
المؤمن متدبر لما يحصل معه من أحداث جسام  ومصائب عظام ...
فنظرة المؤمن تختلف عن غيره , غير المؤمن يرى بمثل هذه البلاءات العناء والتعب فحسب ..
وأما المؤمن , نعم  يشعر بالمعاناة والتعب  , ولكنه ينظر إليها نظرة أخرى ..
هي من العزيز الوهاب
الرفيق الرحمن
ففيها الرحمة والشفقة إذًا
فكيف ذلك؟
لا تنظر لظاهر الأمور بل انظر لبواطنها
فالبلاء نعمة ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة
فكيف هذا ؟ هل يعقل؟
نعم ! ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة
إذا , نصاب بذنوبنا ,  فإن لم نستغفر نزل البلاء لمحو الذنوب
ويعفو عن كثير
فما بال الأنبياء يبتلون ؟
وكذلك ينزل الله تعالى البلاء  لرفع الدرجات
إذا أحب الله عبدا ابتلاه ...
والمحبة تتجلى سواء في العقوبة بمحو الذنوب أو رفع الدرجات ...
فرب قائل يقول : هؤلاء الكفار والعصاة يتنعمون ولم يبتلوا  بما ابتلي به المؤمنون !
فنقول :  ألا ترضوا أن تكون الدنيا لهم  وتكون  الآخرة لنا ؟


ابتلاك الله تعالى لأنه أحبك , أراد أن يطهرك من المعايب . فما بالك لا ترضى؟
وربما رآك الله ملازما لمعصيته , بعيدا عن طاعته , غافلا عن ذكره ... فبعث لك رسالة  لينبهك من غفلتك ..
فما إن يصيبك البلاء إلا وأنت رافع يديك .. يا رب يارب
يا عجبا لنا .. نحن البشر   ...
لو أمْهَلَنا الله جل وعلا وتركنا نغوص في غمار معصيته حتى بلغت منا الروح الحلقوم .. فما النتيجة ؟
ماذا تريد أيها العبد ؟ انظر  ...
هل تريد نعيما دنيويا أم تريد نعيما خالدا في جنات النعيم ؟
ما أظن عاقلا يتردد في اختيار الآخرة الباقية على الدنيا الفانية
ولنا في قصة المرأة السوداء عبرة لمن يعتبر ..
جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام تطلب منه أن يدعو لها فتشفى من مرض الصرع
فما كان من النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام إلا  أن قال لها : أما إن شئت دعوت  الله لك فشفيت من مرضك , وإن شئت صبرت ولك الجنة .
فماذا  اختارت المرأة المؤمنة ؟
اختارت الجنة , فكانت تسير على الأرض,  وقد عُرفَ أنها من أهل الجنة.
فأنا وأنت أيها المبتلى المصاب,  ماذا عسانا أن نختار ..؟
هل تريد  العافية , والنعيم,  ورفع المصاب .. ؟ أم تسأل الله تعالى الصبر على ما أنت فيه حتى تحظى بالآخرة .
وأنت  تعلم يقينا أن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب ..
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب , سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار
فما مقدار البلاء في الدنيا مع أجر غير ممنون في الآخرة ؟
وما مقدار نعيم الدنيا مع عظم المصاب يوم القيامة ؟
ومما يسليك ايها المصاب ..
أن تنظر بقلبك,  فترى أن لأنبياء ابتلوا من فبلك وكذا الصالحون  ومن ثم الأمثل فالامثل ..
فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم صبر على أذى قومه.. حتى أخرج من بلده ..
وهذا نبي الله أيوب عليه السلام ..
وتذكر عروة بن الزبير رضي الله عنه قطعت قدمه ومات ولده في آن واحد , فماذا قال ؟
رفع يديه وقال : الحمد لله  , اللهم  إن كنت قد أخذت فقد أعطيت .. وإن ابتليت فقد عافيت ..
فلم يقل :
لم يا رب ؟  ماذا فعلت ؟
هل أنت تحاسب الله تعالى عما يفعل  ؟ من انا ؟ و من أنت ؟
ألا تثق بربك الرحيم الرحمن ؟
لا يختار لك إلا الخير , كن على ثقة تامة ,  لو كشف لك الغيب لاخترت ما اختاره الله تعالى  لك .
فإن لم تستطع الصبر بعد كل هذا ,  فاصطبر , ألزمها مع الاستعانة بالله
وتذكر : ألا بذكر الله تطمئن القلوب
عليك بالاذكار الواردة عند المصاب
اللهم آجرني في مصيبتي هذه واخلفني خيرا منها
يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين  ,
 دعاء المكروب,  من دعا به أجيب
واعلم أنك إن لم تصبر فاتك أمران 
بقاؤك على هذا الحال
ومن ثم خسارة الأجر والثواب
فأصابتك مصيبتان لا واحدة
البلاء , ومصيبة عدم الصبر فيه
واصبر وما صبرك إلا بالله
فإن صبرك الله تعالى فاعلم أنه ينبغي لك أن تجعل قلبك راضيا عن ربك
لأن من مقتضيات الإيمان  : الرضى بقضاء الله تعالى والرضا عن الله
هل ما زلت في ريب ؟
إليك هذه القصة التي فيها العبرة والله أعلم بصحتها : وإنما اضربها للمثل
يروى أن ملكا اتخذ وزيرا صالحا , فكان كلما أصابه شيء قال له الوزير : لعله خير ( عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم )
وفي يوم من الأيام أصيب الملك بقطع اصبعه
فقال الوزير : لعله خير
فغضب الملك وأدخله السجن .. ( كيف يقول أن قطع اصبعه فيه الخير ؟ )
فقال الوزير عند دخوله السجن : لعله خير
واتخذ وزيرا غيره
ومرت السنون ,  وفي رحلة صيد للملك , ومعه الوزير الجديد , أتوا على قوم يعكفون على عبادة آلهة لهم , ويقدمون لها القرابين .
والضحية أفضل رجل يجدوه  . فأمسكوا بالوزير والملك,  فما علموا أنه ملك
أرادوا تقديمه قربانا لآلهتهم
لكنهم لما رأوا اصبعه المقطوع
قالوا:  لا   , إنسان ناقص
فأخذوا الوزير مكانه
فتذكر الملك قولة وزيره الاول
لعله خير,  فأيقن بالخير الذي قصده الوزير
وأخرج وزيره من السجن , واعلمه بالخبر
فقال الوزير:  وهذا الخير الذي من أجله أدخلت السجن
وانظروا إلى يوسف عليه السلام كيف اختار السجن على الوقوع بالفاحشة
إذا ليس كل ما تراه حسنا هو الحسن وليس كل ما تراه سيئا هو السيء .
فاترك الأمر لعلام الغيوب وارض بقضائه لك , واشكره واحمده للطفه بك .
فلو انك دخلت مع طفلك دكانا مليئا بالحلويات وباصناف الشوكولاطة .. فبدأ طفلك بجمع أصناف الحلويات والشوكولا طة لأكلها ..
هل ترضى بذلك ؟
بالطبع لا
حتما ستقول له : أنت لا تعلم يا بني الخير لك , أنا أعلم منك فاستمع لنصحي .
مع أن الطفل ربما ظن السوء بوالده لجهله , وهو يظن أن والده يحرمه مما يشتهيه .
فإذا كنت أنت , تختار لولدك الخير وهو يجهله
فجهلنا أعظم اتجاه علم الله وحكمته في الامور
فلنكل امرنا إلى الله
فإن لم تعط من نعم الدنيا كغيرك فانظر ..
ها هو المريض تمنعه عن أصناف المأكولات حمية له لأنها تضره ...
فسبحان رب الأرباب  كيف يمنع ويعطي بعلمه وحكمته ..


وكل مؤمن لا بد وأن يدرك ببصيرته أن الله تعالى ما يقدر له إلا ما فيه منفعته ويبعد عنه كل ما هو مضر به.
 إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء
الراوي: قتادة بن النعمان المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 282



لو أن طبيبا أعطى كل المرضى نفس الدواء لقلنا عنه أنه مجنون ... أهذا طبيب؟
فالله تعالى يداوي القلوب .. فلكلٍّ دواء
ويختار الله تعالى من عباده شهداء ببعض البلاءات
" أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2) وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَـاذِبِينَ"  - العنكبوت: 2-3

يـــا صـــاحب الهمِّ إنَّ الهــم منـفـرجٌ
أبشِر بخيرٍ فــــــإنَّ الفــــــارج الله
اليــأس يقطـع أحيــاناً بصــاحبــــه
لا تيــأسنَّ فـــــــإنَّ الكــــافي الله
اللـه يُحدِث بعــد العســــر ميســـرة
لا تجـــزعــــنَّ فــــإن القاســم الله
إذا بُـــليـت فثِـقْ باللـه وارضَ بـــــه
إنَّ الذي يكشــــف البلـــوى هـــو الله
واللهِ ما لكَ غير الله مـن أحــــــــــدٍ
فحسبُك الله في كــــــــــــلٍ لك الله
قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت...........ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
لئن كان بعض الصبر مُرًّا مذاقُه.............. فقد يُجتنى من بعده الثمرُ الحلوُ
فإن كان هذا الصبر على البلاء فما ظنك بالصبر على الطاعات فهو من أعلى المراتب 
ومن ثم الصبر عن المعاصي وعن مخالفة رب الأرض والسماوات
جعلني الله وإياكم من عباده الصابرين الشاكرين



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قطعة فهم مقروء _ صف ثاني

امتحان فهم مقروء ----- للصف الثالث

أسئلة في سورة الغاشية