تفسير آية [‏161‏] " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ " من سورة آل عمران من تفسير السعدي و مختصر تفسير ابن كثير لأحمد شاكر

بسم الله الرحمن الرحيم 

من تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) 

[‏161‏]‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏ 
الغلول هو‏:‏ الكتمان من الغنيمة، ‏[‏والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان‏]‏ وهو محرم إجماعا، بل هو من الكبائر، كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص، فأخبر الله تعالى أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يغل، لأن الغلول ـ كما علمت ـ من أعظم الذنوب وأشر العيوب‏.‏ وقد صان الله تعالى أنبياءه عن كل ما يدنسهم ويقدح فيهم، وجعلهم أفضل العالمين أخلاقا، وأطهرهم نفوسا، وأزكاهم وأطيبهم، ونزههم عن كل عيب، وجعلهم محل رسالته، ومعدن حكمته ‏{‏الله أعلم حيث يجعل رسالته‏}‏‏.‏
فبمجرد علم العبد بالواحد منهم، يجزم بسلامتهم من كل أمر يقدح فيهم، ولا يحتاج إلى دليل على ما قيل فيهم من أعدائهم، لأن معرفته بنبوتهم، مستلزم لدفع ذلك، ولذلك أتى بصيغة يمتنع معها وجود الفعل منهم، فقال‏:‏ ‏{‏وما كان لنبي أن يغل‏}‏ أي‏:‏ يمتنع ذلك ويستحيل على من اختارهم الله لنبوته‏.‏
ثم ذكر الوعيد على من غل، فقال‏:‏ ‏{‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏}‏ أي‏:‏ يأت به حامله على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة، ‏{‏ثم توفى كل نفس ما كسبت‏}‏ الغال وغيره، كل يوفى أجره ووزره على مقدار كسبه، ‏{‏وهم لا يظلمون‏}‏ أي‏:‏ لا يزاد في سيئاتهم، ولا يهضمون شيئًا من حسناتهم، وتأمل حسن هذا الاحتراز في هذه الآية الكريمة‏.‏
لما ذكر عقوبة الغال، وأنه يأتي يوم القيامة بما غله، ولما أراد أن يذكر توفيته وجزاءه، وكان الاقتصار على الغال يوهم ـ بالمفهوم ـ أن غيره من أنواع العاملين قد لا يوفون ـ أتى بلفظ عام جامع له ولغيره‏.‏

        *******************************

     مختصر تفسير ابن كثير لأحمد شاكر( عمدة التفسير)

وقوله : (وَمَا كان لنبي أن يغل ) : قال ابن عباس , ومجاهد , وغير واحد : ما ينبغي لنبي أن يخون
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما:" نزلَت هذه الآيه (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) في قَطيفةٍ حمراءَ افتُقدت يومَ بدرٍ فقالبَعضُ النّاسِ لعلَّ 
رسولَ اللهِ أخذَها، فأنزلَ اللهُ تبارَك وتعالى: (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) إلى آخرِ الآيةِ "

الألباني (ت ١٤٢٠)، صحيح الترمذي ٣٠٠٩ • صحيح • أخرجه أبو داود (٣٩٧١)، والترمذي (٣٠٠٩) واللفظ له

وهذه تبرئة له , صلوات الله وسلامه عليه , عن جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك .
وحكى عن بعضهم أنه فسر هذه القراءة بمعنى : يُتّهم بالخيانة .
ثم قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏} : وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد .وقد ورد في السنة النهي عن ذلك أيضا في أحاديث متعددة:

عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَعْظَمُ الغُلولِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ ذِراعٌ مِنَ الأرضِ، تجدونَ الرجلَيْنِ جارَيْنِ في الأرضِ أوْ في الدّارِ، فَيَقْتَطِعُ أحدُهُما من حَظِّ صاحِبِه ذِراعًا، إذا اقْتَطَعَهُ؛ طُوِّقَهُ من سبعِ أَرَضِينَ.
الألباني (ت ١٤٢٠)، صحيح الترغيب ١٨٦٩ • حسن صحيح • أخرجه أحمد (٢٢٩٤٦) واللفظ له، والطبراني (٣/٢٩٩) (٣٤٦٣)


وعن المستورد بن شداد الفهري رضي الله عنه,  قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : مَن وَليَ لنا عَمَلًا وليس له مَنزِلٌ فليَتَّخِذْ مَنزِلًا، أوَليست له زَوجةٌ فليَتَزوَّجْ، أوَليس له خادِمٌ فليَتَّخِذْ خادِمًا، أوَليس له دابَّةٌ فليَتَّخِذْ دابَّةً، ومَن أصابَ شَيئًا سِوى ذلك فهو غالٌّ.
أحمد شاكر (ت ١٣٧٧)، عمدة التفسير ١‏/٤٣٣ • [أشار في المقدمة إلى صحته] • أخرجه أبو داود (٢٩٤٥)، وابن خزيمة (٢٣٧٠) بنحوه، وأحمد (١٨٠١٥) واللفظ له •


وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إني مُمسِكٌ بحُجَزِكم عن النّارِ: هَلُمَّ عن النارِ، وتغلبونَني، تقاحَمون فيه تقاحُمَ الفراشِ أو الجنادِبِ، فأوشك أن أُرسِلَ بحُجَزِكم، وأنا فرطَكُم على الحوضِ، فترِدُون عليَّ معًا وأشتاتًا، فأعرفُكم بسِيماكم وأسمائِكم، كما يَعرِف الرجلُ الغريبةَ من الإبلِ في إبلِه، ويذهبُ بكم ذاتَ الشمالِ، وأناشدُ فيكم ربَّ العالمين فأقول: أي ربِّ أُمَّتي ! ! فيقول: يا محمدُ ! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدَك، إنهم كانوا يمشون بعدَك القَهْقَرى على أعقابهم، فلا أعرفنَّ أحدَكم يومَ القيامةِ يحمل شاةً لها ثُغاءٌ، فينادي: يا محمدُ يا محمدُ ! فأقول لا أملِكُ لك شيئًا، قد بلَّغتُك، فلا أعرفنَّ أحدَكم يأتي يومَ القيامةِ يحمل بعيرًا له رُغاءٌ، فينادي: يا محمدُ يا محمدُ ! فأقول: لا أملِك لك شيئًا، قد بلَّغتُك، فلا أعرفنَّ أحدَكم يأتى يومَ القيامةِ يحمل فرسًا له حَمْحَمَةٌ، فينادى: يا محمدُ يا محمدُ ! فأقول: لا أملكُ لك شيئًا قد بلَّغتُك فلا أعرفنَّ أحدَكم يومَ القيامةِ يحمل سقاءً من آدمَ ينادى: يا محمدُ يا محمدُ ! فأقول: لا أملِكُ لك شيئًا، قد بلَّغتُكَ"
الألباني (ت ١٤٢٠)، صحيح الترغيب ٧٨٤ • حسن صحيح


وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَعْمَلَ عامِلًا، فَجاءَهُ العامِلُ حِينَ فَرَغَ مِن عَمَلِهِ، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هذا لَكُمْ، وهذا أُهْدِيَ لِي. فقالَ له: أفَلا قَعَدْتَ في بَيْتِ أبِيكَ وأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أيُهْدى لكَ أمْ لا؟! ثُمَّ قامَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاةِ، فَتَشَهَّدَ وأَثْنى على اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ؛ فَما بالُ العامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ، فَيَأْتِينا فيَقولُهذا مِن عَمَلِكُمْ، وهذا أُهْدِيَ لِي؟! أفَلا قَعَدَ في بَيْتِ أبِيهِ وأُمِّهِ فَنَظَرَ: هلْ يُهْدى له أمْ لا؟! فَوالَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَغُلُّ أحَدُكُمْ مِنْها شيئًا إلّا جاءَ به يَومَ القِيامَةِ يَحْمِلُهُ على عُنُقِهِ؛ إنْ كانَ بَعِيرًا جاءَ به له رُغاءٌ، وإنْ كانَتْ بَقَرَةً جاءَ بها لها خُوارٌ، وإنْ كانَتْ شاةً جاءَ بها تَيْعَرُ، فقَدْ بَلَّغْتُ. فقالَ أبو حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَفَعَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ، حتّى إنّا لَنَنْظُرُ إلى عُفْرَةِ إبْطَيْهِ. 
(صحيح) البخاري (ت ٢٥٦)، صحيح البخاري ٦٦٣٦


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قامَ فِينا النبيُّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وعَظَّمَ أمْرَهُ، قالَ: لا أُلْفِيَنَّ أحَدَكُمْ يَومَ القِيامَةِ على رَقَبَتِهِ شاةٌ لَها ثُغاءٌ، على رَقَبَتِهِ فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ، يقولُ: يا رَسولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فأقُولُلا أمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أبْلَغْتُكَ، وعلى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ له رُغاءٌ، يقولُ: يا رَسولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فأقُولُلا أمْلِكُ لكَ شيئًا قدْ أبْلَغْتُكَ، وعلى رَقَبَتِهِ صامِتٌ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فأقُولُ لا أمْلِكُ لكَ شيئًا قدْ أبْلَغْتُكَ، أوْ على رَقَبَتِهِ رِقاعٌ تَخْفِقُ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فأقُولُلا أمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أبْلَغْتُكَ.
[صحيح] • أخرجه البخاري (٣٠٧٣)، ومسلم (١٨٣١)


عن عدي بن عميرة الكندي رضي الله عنه, قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
 " مَنِ اسْتَعْمَلْناهُ مِنكُم على عَمَلٍ، فَكَتَمَنا مِخْيَطًا فَما فَوْقَهُ؛ كانَ غُلُولًا يَأْتي به يَومَ القِيامَةِ، قالَ: فَقامَ إلَيْهِ رَجُلٌ أسْوَدُ مِنَ الأنْصارِ -كَأَنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ- فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قالَ: وما لَكَ؟ قالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذا وكَذا، قالَ: وأنا أقُولُهُ الآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْناهُ مِنكُم على عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بقَلِيلِهِ وكَثِيرِهِ، فَما أُوتِيَ منه أخَذَ، وما نُهي عنْه انْتَهى."
[صحيح] . مسلم (ت ٢٦١)، صحيح مسلم ١٨٣٣


عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لَمّا كانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أقْبَلَ نَفَرٌ مِن صَحابَةِ النبيِّ ﷺ، فقالوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، فُلانٌ شَهِيدٌ، حتّى مَرُّوا على رَجُلٍ، فقالوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: كَلّا، إنِّي رَأَيْتُهُ في النّارِ في بُرْدَةٍ غَلَّها، أوْ عَباءَةٍ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: يا ابْنَ الخَطّابِ، اذْهَبْ فَنادِ في النّاسِ، أنَّه لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلّا المُؤْمِنُونَ، قالَ: فَخَرَجْتُ فَنادَيْتُ: ألا إنَّه لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلّا المُؤْمِنُونَ.
[صحيح] . مسلم (ت ٢٦١)، صحيح مسلم ١١٤



وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: 
 كان رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا غَنِمَ غَنيمةً أمَرَ بِلالًا فيُنادي في الناسِ، فيَجيئونَ بغَنائِمِهم، فيُخَمِّسُه ويُقَسِّمُه، فجاءَ رَجُلٌ يَومًا بَعدَ النِّداءِ بزِمامٍ مِن شَعرٍ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، هذا كانَ مِمّا أصَبْناه مِنَ الغَنيمةِ. فقال: أسَمِعتَ بِلالًا يُنادي ثَلاثًا؟ قال: نَعَمْ. قال: فما مَنَعَكَ أنْ تَجيءَ به؟ فاعتَذَرَ إليه، فقال: كلّا، أنتَ تَجيءُ به يَومَ القيامةِ، فلَن أقبَلَه مِنكَ.
أحمد شاكر (ت ١٣٧٧)، عمدة التفسير ١‏/٤٣٥ • [أشار في المقدمة إلى صحته] • أخرجه أبو داود (٢٧١٢)، وأحمد (٦٩٩٦) باختلاف يسير



وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:":هدايا العمالِ غُلولٌ " 
الألباني (ت ١٤٢٠)، صحيح الجامع ٧٠٢١صحيح • أخرجه أحمد (٢٣٦٠١)، والبزار (٣٧٢٣)، والطبراني كما في «مجمع الزوائد» للهيثمي (٥/٢٥٢) وضعف الحديث ابن كثير وابن حجر وغيرهم ومنهم ابن عثيمين رحمهم الله تعالى

وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قَالَ :  اسْتَعْمَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا مِنَ الأسْدِ، يُقالُ لهابنُ اللُّتْبِيَّةِ، قالَ عَمْرٌو: وابنُ أَبِي عُمَرَ، على الصَّدَقَةِ، فَلَمّا قَدِمَ قالَهذا لَكُمْ، وَهذا لِي، أُهْدِيَ لِي، قالَ: فَقامَ رَسولُ اللهِ ﷺ على المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنى عليه، وَقالَ: ما بالُ عامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتّى يَنْظُرَ أَيُهْدى إلَيْهِ أَمْ لا؟ والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَنالُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا إلّا جاءَ به يَومَ القِيامَةِ يَحْمِلُهُ على عُنُقِهِ بَعِيرٌ له رُغاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَها خُوارٌ، أَوْ شاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتّى رَأَيْنا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ.
[صحيح] • أخرجه البخاري (٧١٧٤)، ومسلم (١٨٣٢) واللفظ لمسلم



قال النووي رحمه الله :
"وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام ، وغلول ؛ لأنه خان في ولايته ، وأمانته ... وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه ، وأنها بسبب الولاية ، بخلاف الهدية لغير العامل ، فإنها مستحبة" انتهى .
"شرح مسلم" (12/219) .


وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
أفيد سماحتكم أنني أعمل مديرا لمجمع مدارس بإحدى القرى التابعة لمنطقة المدينة المنورة ، ولله الحمد ، الأمر الذي أبينه لسماحتكم هو : أن سكان هذه القرية من البدو الذين ينتمون للقبائل العربية ، ويمتازون بالكرم والشهامة ، وهم يبادرونني بالدعوة إما للغداء أو للعشاء ، وإذا رفضت ذلك يقومون بإرسال الذبيحة إلى المنزل الذي أسكن فيه بالقرية ، ويقولون : هذا واجبكم أنت وزملائك المدرسين ، وإنني أخشى أن تكون نوعا من أنواع الرشوة ، علما بأن من يدعوني يكون له أولاد بالمدرسة ، أو يعمل بالمدرسة بوظيفة نقل الطلاب ، أو يرغب التقرب مني لأنني المدير ، وبعضهم ليس له أي أمر ، هل أرفض هذه الدعوات ولا أقبلها ؟ حيث إنني أجد مضايقات من هذا الأمر .

فأجابوا :
"لا يجوز للموظف أن يأخذ شيئا من هدايا وعطايا المراجعين ، ومثله مدير المدرسة ، لا يجوز له أن يقبل هدايا الطلاب أو آبائهم ؛ لأن ذلك كله من الغلول المحرم ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (هدايا العمال غلول) ، وذلك لأن قبولها ذريعة إلى عدم العدل وقضاء الحاجات بغير حق" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/581-582) .

وسئلوا أيضا :

أنا مُدرسَة في مدرسة لمحو الأمية ، وفي نصف العام الدراسي وعند الانتهاء من النتائج وتوزيع الشهادات ، يقدمن لي العديد من الهدايا ، فأقبلها بعد إلحاح منهن ، وتهديد بالزعل أحيانا ، فما حكمها ؟ وهل يجوز لي أن أتقبلها ؟ وهل تعتبر رشوة ؟

فأجابوا :
"بذل الهدية للمعلم أو المعلمة في المدارس النظامية - حكومية أو غير حكومية - في معنى الرشوة ، فلا يجوز دفعها ولا أخذها ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هدايا العمال" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/582-583) .


وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
مجموعة من المعلمات قمن بعمل حفلة تكريم للمديرة تقديراً لجهودها في المدرسة ، وقدمن الهدايا لها في آخر العام هل في ذلك بأس ؟

فأجاب :
"أما الدعوة فلا بأس - الدعوة العادية - وأما تقديم الهدايا فلا يجوز" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (247/7) .

وسئل أيضا :
بعض الطالبات تهدي لمعلمتها هدية في المناسبات ، فمنهن من تدرّسها الآن ، ومنهن من لا تدرّسها ولكن من المحتمل أن تدرسها في الأعوام المقبلة ، ومنهن لا احتمال أن تدرسها كالتي تخرجت . فما الحكم في هذه الحالات ؟

فأجاب :
"الحالة الثالثة لا بأس بها ، أما الحالات الأخرى فلا يجوز . حتى ولو كانت هدية لولادة أو غيرها ، لأن هذه الهدية تؤدي إلى استمالة قلب المعلمة" انتهى .


وقال رحمه الله :
" لا يجوز للمدرّسة أن تقبل هدية من الطالبة ؛ لأن هذا داخل في عموم الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده : (هدايا العمال غلول) ولأن الهدية ستوجب المودة ، كما جاء في الحديث : (تهادوا تحابوا) ، فإذا ازدادت محبتها لهذه التلميذة يخشى عليها أن تحيف ، فيجب عليها أن ترفض ، أي: يجب على المعلمة أن ترفض الهدية وتقول : لا أقبل" انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (225/16) .
والله أعلم


ومن كلام أهل العلم أيضا في هذه المسألة : 

ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/548) :
1- ما حكم الشرع فيمن أُعطي له مال وهو في عمله بدون طلب منه أو احتيال لأخذ ذلك المال ، مثال ذلك :
العمدة أو شيخ الحارة ( الحي ) يأتيه الناس ليعطيهم شهادات ؛ لأنهم من سكان حارته ، ويعطونه فلوسا على ذلك ...
فهل يجوز أخذ هذا ، وهل يعتبر هذا المال حلالا ؟ وهل يُستدل على جواز ذلك بحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر ،عن عمر رضي الله عنهم قال : 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني ،فقال : 
( خذه ، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مُشْرفٍ ولا سائل فخذه فتموله ، فإن شئت تصدق به ، وما لا فلا تتبعه نفسك )
قال سالم : فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه. متفق عليه .

الجواب :
إذا كان الواقع ما ذكر فما يدفع لهذا العمدة حرام ؛ لأنه رشوة . ولا صلة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما بهذا الموضوع ؛
لأنه في حق من أُعطي شيئا من بيت مال المسلمين من والي المسلمين دون سؤال أو استشراف نفس " انتهى . 

2- وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
 لدينا قصر أفراح ، وفيه طباخون ، وبعض الطباخين يطلب إكرامية بالإضافة إلى راتبه ؛
فهل يجوز إعطاء العامل مبلغًا من المال إكرامية؛ حيث إنه تعود أخذه من الناس‏؟‏

فأجاب : 
" إذا كان هناك عامل من العمال له راتب وله أجر مقطوع من صاحب العمل ؛ فلا يجوز لأحد أن يعطيه ؛
لأن هذا يفسده على الآخرين ؛ لأن بعض الناس فقراء لا يستطيعون إعطاءهم ؛ فهذا العمل سنة سيئة‏ "
انتهى من "المنتقى في فتاوى الشيخ الفوزان" ج 3 سؤال رقم 233). 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قطعة فهم مقروء _ صف ثاني

امتحان فهم مقروء ----- للصف الثالث

أسئلة في سورة الغاشية